بعد أن نال المغرب استقلاله دأبت سياسات أصحاب النيات السيئة على قطع عروق التنمية في الجنوب , تزكية لتلك الأطروحة التمييزية التي تركها المستعمر , وقد ساعدت الظروف الإجتماعية و الطبيعية على ذلك , فشيدوا المدارس و المرافق المنتجة في المدن الداخلية و أنشئوا المعتقلات السرية في مدن المغرب غير النافع : معتقل قلعة مكونة في إقليم ورزازات , معتقل أكدز في زاكورة , و تزمامارت في اقليم الراشدية , ومن الطبيعي جدا أن تكون الأقاليم التي تحتوي على هذه "المنشآت" متخلفة و منكوبة , ولم يجرؤا على خلق مسببات التنمية في تلك المناطق حتى تظل متأخرة تفي بالغرض .
عندما أراد النظام أن يتستر على "أخطاء هذا الزمن " عاد بنا إلى "زمن الأخطاء" فابتدع فكرة الإستماع العمومي لضحايا سنوات الرصاص ,لكن يجب أن تعمم فائدتها و تمنح أيضا جلسات استماع للذين كانو ما زالو ضحايا الخصاص و الإهمال و التهميش و التفقير , إنهم سكان الجنوب الشرقي الذين يعيشون ظروفا قاسية و كأنهم في معتقلات علنية و جماعية .فلماذا لا يمنحهم أولئك الذين يتحكمون في دار البريهي جلسة مباشرة ليحلفوا لكم بغيلاظ الإيمان أنهم يعيشون حالة فقر مدقع , و أن مريضهم بلا دواء و أن أطفالهم الحفاة يقطعون المسافات بحثا عن مدرسة نائية و أن نسائهم "يسافرن" طلبا لقطرة ماء . وهنا تحظرني طريفة تحكيها النخب الساخطة عن الوضع تحكي أن فرنسيا مكلفا بمهمة ما في منطقة أيت حديدو أيام الإستعمار عاد ليزور المنطقة بعد ثلاثين سنة من الإستقلال , يتفقد المكان ـ الذي لم يتغير ـ بعد أن حن إلى شبابه و أيام زهوه , وبينما هو يتجول بالمنطقة يستعيد ذكرياته لمحه أحد شيوك المنطقة و تعرف عليه بسهولة وعانقه بحرارة و هو يردد أن تأخرت كل هذه المدة يا رجل ; لقد تركتمونا لهؤلاء(!!) يقتلوننا ببطء".
إن مدن الجنوب الشرقي تستحق أن تحشد لها الدولة كل الجهود و تخصص لها برامج تنموية تراعي خصوصيات المكان حتى تكفر الدولة عن خطاياها و اهمالها لسكان المغرب غير النافع و تحقق المصالحة الحقيقية والإنصاف الحقيقي